نصائح للحجيج قبل سفرهم
.الشيخ أبوبكر الحنبلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أولاً: إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل وهي: فعل أوامره واجتناب نواهيه، وذلك لقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {آل عمران: 102}.
وثانيًا: ينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدَّيْن ويشهد على ذلك؛ لقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه {البقرة: 282}.
وثالثًا: ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب؛ لقوله تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون{النور: 31}.
وحقيقة التوبة
أ- أن يقلع عن المعصية.
ب- أن يندم على فعلها.
ج- أن يعزم ألا يعود إليها أبدًا، فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة:
هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حدّ قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحله منها، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي. وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وإن كان عنده للناس مظالم أو مال أو عرض ردها إليهم أو تحللهم منها قبل سفره وذلك لحديث أبي هريرة في البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أوشيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه”.
رابعًا: ينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال، وذلك لحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِّي بالحرام فأنَّ يستجاب له”.
خامسًا: ينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم، وذلك لحديث أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين: حيث قال عليه الصلاة والسلام: “ومن يستعفف يعفه عفه الله، ومن يستغن يُغْنه الله، ومن يتصبر يصبِّره الله”. وقوله صلى الله عليه وسلم : “لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم”.
سادسًا: يجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله، كما قال تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون {هود: 15، 16}، وقال تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا{الإسراء: 18، 19}، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه رب العزة عز وجل: “أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه”.
سابعًا: ينبغي له أيضًا أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين ويحذر من صحبة السفهاء والفساق وذلك لقوله تعالى: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين {الزخرف: 67}.
ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت عند أبي داود، حيث قال صلى الله عليه وسلم : “لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي”، ولحديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : “الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
ثامنًا: ينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه ليكون على بصيرة؛ وذلك لقوله عز وجل: وقل رب زدني علما {طه: 114}، وقال تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون {الزمر: 9}
وقال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات {المجادلة: 11}، وقال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء {فاطر: 28}.
وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين”.
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين حيث قال عليه الصلاة والسلام: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها”.
تاسعًا: ينبغي أن يلتزم بما هو مستحب في سفره كما ثبت من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفره، كبَّر ثلاثًا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِعَنَّا بُعْده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر- أي وأن أنظر ما يسوءني في الأهل والمال أي كموت ومرض وتلف- وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: “آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون”.
تنبيه: معنى “مقرنين”: مطيعين. “الوعثاء” هي الشدة، الكآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه. المنقلب: المرجع.
عاشرًا: ويكثر في سفره من الذكر، وذلك لقوله تعالى: ولذكر الله أكبر {العنكبوت: 45}، والمعنى: أي ذكر العبد ربه أفضل من كل شيء.
ولقوله تعالى: فاذكروني أذكركم {البقرة: 152}، ولقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا (41) وسبحوه بكرة وأصيلا {الأحزاب: 41، 42}.
ولحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين حيث قال عليه الصلاة والسلام: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس”.
ويكثر في سفره أيضًا من الاستغفار؛ لقوله تعالى: واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات {محمد: 19}، ولقوله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران: 135}.
ولحديث شداد بن أوس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم : “سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة”.
ويكثر في سفره من دعاء الله لقوله عز وجل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة: 186}، وكذلك أيضًا يكثر في سفره من التضرع لله سبحانه وتعالى لقوله عز وجل: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر: 60}.
ويكثر في سفره أيضًا من قراءة القرآن وتدبر معانيه: وذلك لقوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا {المزمل: 4}، ولحديث أبي أمامة رضي الله عنه في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه”، وحديث النواس بن سمعان في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما”.
وأما تدبر معانيه فلقوله عز وجل: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها {محمد:24}.
حادي عشر: ويحافظ على الصلوات الخمس في جماعة؛ لقوله عز وجل: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين{البقرة: 238}، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم : “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟” قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا”.
وأما جماعة فلحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة”.
ثاني عشر: ويحفظ لسانه عن القيل والقال؛ لقوله عز وجل: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد {ق: 18}، ولحديث أبي هريرة في مسلم برقم (1715) قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.
ويحفظ لسانه عن الخوض فيما لا يعنيه لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.
ويحفظ لسانه عن الإفراط في المزاح:
لحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أنا زعيم بيت في ربض الجنة ( أدناها وربض المدينة ما حولها) لمن ترك المراء ( الجدال) وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه”. والله ولي التوفيق.